responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 22
[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 43]
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا [الْأَنْفَال: 42] فَإِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ زَمَانُ كَوْنِهِمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا لِوُقُوعِهَا فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْمُسْلِمِينَ بِالْعُدْوَةِ مِنْ بَدْرٍ، فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ بَدَلٍ.
وَالْمَنَامُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى النَّوْمِ، وَيُطْلَقُ عَلَى زَمَنِ النَّوْمِ وَعَلَى مَكَانِهِ.
وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: فِي مَنامِكَ بِفعل يُرِيكَهُمُ، فالإراءة إراءة رُؤْيا، وأسندت الإراءة إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ رُؤْيَا النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ بِمَدْلُولِهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى، حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرى قالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات: 102] فَإِنَّ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تَغْلِبُهَا الْأَخْلَاطُ، وَلَا تَجُولُ حَوَاسُّهُمُ الْبَاطِنَةُ فِي الْعَبَثِ، فَمَا رُؤْيَاهُمْ إِلَّا مُكَاشَفَاتٌ رُوحَانِيَّةٌ عَلَى عَالَمِ الْحَقَائِقِ.
وَكَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى رُؤْيَا مَنَامٍ، جَيْشَ الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا، أَيْ قَلِيلَ الْعَدَدِ وَأَخْبَرَ بِرُؤْيَاهُ الْمُسْلِمِينَ فَتَشَجَّعُوا لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَحَمَلُوهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَزَالَ عَنْهُمْ مَا كَانَ
يُخَامِرُهُمْ مِنْ تَهَيُّبِ جَيْشِ الْمُشْرِكِينَ. فَكَانَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا مِنَّةً مِنَ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ قِلَّةُ الْعَدَدِ فِي الرُّؤْيَا رَمْزًا وَكِنَايَةً عَنْ وَهَنِ أَمْرِ الْمُشْرِكِينَ لَا عَنْ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ.
وَلِذَلِكَ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي رُؤْيَا النَّوْمِ دُونَ الْوَحْيِ، لِأَنَّ صُوَرَ الْمَرَائِي الْمَنَامِيَّةِ تَكُونُ رُمُوزًا لِمَعَانٍ فَلَا تُعَدُّ صُورَتُهَا الظَّاهِرِيَّةُ خُلْفًا، بِخِلَافِ الْوَحْيِ بِالْكَلَامِ.
وَقَدْ حَكَاهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذُوهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ رُؤْيَا النَّبِيءِ وَحْيٌ، وَقَدْ يَكُونُ النَّبِيءُ قَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى تَعْبِيرِهَا الصَّائِبِ، وَقَدْ يَكُونُ صَرَفَهُ عَنْ ذَلِكَ فَظَنَّ كَالْمُسْلِمِينَ ظَاهِرَهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ لِلْحِكْمَةِ. فَرُؤْيَا النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست